فصل: الحديث الثَّامِن:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: البدر المنير في تخريج الأحاديث والآثار الواقعة في الشرح الكبير



.الحديث السَّابِع:

رُوِيَ أنَّه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «لَا يقْرَأ الْجنب وَلَا الْحَائِض شَيْئا من الْقُرْآن».
هَذَا الحَدِيث فِيهِ مقَال رَوَاهُ ابْن مَاجَه وَالتِّرْمِذِيّ من حَدِيث إِسْمَاعِيل بن عَيَّاش- بِالْيَاءِ الْمُثَنَّاة تَحت، ثمَّ شين مُعْجمَة- الْعَنسِي- بالنُّون- الْحِمصِي، عَالم أهل الشَّام عَن مُوسَى بن عقبَة، عَن نَافِع، عَن ابْن عمر مَرْفُوعا بِهِ. وَقد وَقع لنا بعلو كَمَا ذكرته بإسنادي فِي تَخْرِيج أَحَادِيث الْمُهَذّب.
قَالَ التِّرْمِذِيّ: لَا نَعْرِف هَذَا الحَدِيث إِلَّا من حَدِيث إِسْمَاعِيل بن عَيَّاش، عَن مُوسَى بن عقبَة. قَالَ: وَسمعت مُحَمَّد بن إِسْمَاعِيل-
يَعْنِي: البُخَارِيّ- يَقُول: إِن إِسْمَاعِيل بن عَيَّاش يروي عَن أهل الْحجاز وَأهل الْعرَاق أَحَادِيث مَنَاكِير. كَأَنَّهُ ضعف رِوَايَته عَنْهُم فِيمَا ينْفَرد بِهِ، وَقَالَ: إِنَّمَا حَدِيثه عَن أهل الشَّام- أَي وَحَدِيثه هَذَا عَن أهل الْحجاز، كَمَا صرح بِهِ عبد الْحق فِي أَحْكَامه- وَقَالَ الإِمَام أَحْمد: إِسْمَاعِيل أصلح من بَقِيَّة.
قَالَ أَبُو بكر الْبَزَّار: هَذَا الحَدِيث لَا نعلم رَوَاهُ عَن مُوسَى بن عقبَة إِلَّا إِسْمَاعِيل، وَلَا نعلم يرْوَى عَن ابْن عمر من وَجه إِلَّا من هَذَا الْوَجْه، وَلَا يرْوَى عَن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي الْحَائِض إِلَّا من هَذَا الْوَجْه.
وَقَالَ الْبَيْهَقِيّ فِي السّنَن: لَيْسَ هَذَا بِالْقَوِيّ، وَاسْتشْهدَ بِهِ فِي الْمعرفَة وَقَالَ: إِن سلم من إِسْمَاعِيل وَمن تَابعه.
وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ فِي سنَنه عَن مُحَمَّد بن حَمْدَوَيْه، نَا عبد الله بن حَمَّاد الآملي، عَن عبد الْملك بن مسلمة عَن الْمُغيرَة بن عبد الرَّحْمَن، عَن مُوسَى بن عقبَة، وَلم يذكر الْحَائِض، وَمن حَدِيث مُحَمَّد بن إِسْمَاعِيل الحساني، عَن رجل، عَن أبي معشر، عَن مُوسَى بِهِ بِذكر الْحَائِض، وَمن حَدِيث إِسْمَاعِيل بن عَيَّاش، عَن مُوسَى بن عقبَة وعبيد الله بن عمر، عَن نَافِع بِهِ، وفيهمَا رد عَلَى قَول الْبَزَّار أَنه لَا نعلم رَوَاهُ عَن مُوسَى بن عقبَة إِلَّا إِسْمَاعِيل؛ فقد تَابعه الْمُغيرَة وَأَبُو معشر وَصحح شَيخنَا الْحَافِظ فتح الدَّين الْيَعْمرِي فِي شَرحه لِلتِّرْمِذِي طَرِيق الْمُغيرَة، وَنقل تَوْثِيق رواتها مُحَمَّد بن حَمْدَوَيْه، ذكره الْخَطِيب فِي تَارِيخه وَقَالَ: ثِقَة. والآملي أخرج لَهُ البُخَارِيّ، وَوَثَّقَهُ ابْن حبَان، والمغيرة هُوَ الْحزَامِي مُتَّفق عَلَيْهِ، قَالَ: فَالْحَدِيث إِذا صَحِيح الْإِسْنَاد؛ لِأَن إِسْمَاعِيل بن عَيَّاش لم ينْفَرد بِهِ عَن مُوسَى بن عقبَة.
قلت: لَكِن فَاتَ شَيخنَا ذكر حَال عبد الْملك بن مسلمة الَّذِي يرويهِ عَن الْمُغيرَة، وَهُوَ ضَعِيف؛ فقد قَالَ ابْن حبَان: يروي مَنَاكِير كَثِيرَة. وَقَالَ ابْن يُونُس: مُنكر الحَدِيث. وَقَالَ أَبُو حَاتِم الرَّازِيّ: مُضْطَرب لَيْسَ بِقَوي، حَدثنِي بِحَدِيث فِي الْكَرم عَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن جِبْرِيل مَوْضُوع. وَقَالَ أَبُو زرْعَة: لَيْسَ بِالْقَوِيّ، مُنكر الحَدِيث. وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: عبد الْملك هَذَا كَانَ بِمصْر، وَهَذَا غَرِيب عَن مُغيرَة بن عبد الرَّحْمَن وَهُوَ ثِقَة. وَضَعفه الْبَيْهَقِيّ فِي خلافياته أَيْضا.
قلت: فَلَو سلم الْإِسْنَاد من هَذَا الرجل لصَحَّ. وَأما ابْن الْجَوْزِيّ فأعل هَذِه الطَّرِيقَة فِي تَحْقِيقه بمغيرة بن عبد الرَّحْمَن وَقَالَ: إِنَّه مَجْرُوح ضَعِيف. وَهُوَ عَجِيب مِنْهُ؛ فمغيرة هَذَا أخرج لَهُ الشَّيْخَانِ وَالْأَرْبَعَة، وَهُوَ ثِقَة، قَالَ أَحْمد: مَا بحَديثه بَأْس. وَقَالَ أَبُو دَاوُد: رجل صَالح. نعم؛ وَقَالَ النَّسَائِيّ: لَيْسَ بِالْقَوِيّ. وَقَالَ عَبَّاس الدوري عَن ابْن معِين: لَيْسَ بِشَيْء. وَأوردهُ ابْن الْجَوْزِيّ فِي ضُعَفَائِهِ لأجل هَذِه المقولة فِيهِ، وَلَيْسَ بجيد مِنْهُ؛ فقد قَالَ أَبُو دَاوُد: غلط عَبَّاس عَلَى ابْن معِين.
وَأما الطَّرِيقَة الثَّالِثَة الَّتِي أخرجناها عَن الدَّارَقُطْنِيّ، فَقَالَ ابْن عدي: لَيْسَ للْحَدِيث أصل من حَدِيث عبيد الله- يَعْنِي: الْعمريّ- وَقَالَ الْبَيْهَقِيّ فِيهِ أَيْضا: إِنَّه حَدِيث ينْفَرد بِهِ إِسْمَاعِيل بِهَذَا الْإِسْنَاد، وَإِسْمَاعِيل فِيمَا يروي عَن أهل الْحجاز وَأهل الْعرَاق غَيره أوثق مِنْهُ. ثمَّ نقل عَن يَحْيَى بن معِين أَن إِسْمَاعِيل كَانَ ثِقَة فِيمَا يروي عَن أَصْحَابه أهل الشَّام، وَمَا رَوَى عَن غَيرهم فخلط فِيهَا. وَقَالَ: وَبَلغنِي عَن مُحَمَّد بن إِسْمَاعِيل البُخَارِيّ أَنه قَالَ: إِنَّمَا يروي هَذَا: إِسْمَاعِيل بن عَيَّاش عَن مُوسَى بن عقبَة، وَلَا أعرفهُ من حَدِيث غَيره، وَإِسْمَاعِيل مُنكر الحَدِيث عَن أهل الْحجاز وَأهل الْعرَاق.
قلت: وَفِي كَلَام البُخَارِيّ هَذَا مَا أسفلناه عَلَى كَلَام الْبَزَّار.
وَأما الطَّرِيقَة الثَّانِيَة فَهِيَ معلولة من وَجْهَيْن: جَهَالَة الرجل وَضعف أبي معشر- وَهُوَ نجيح السندي- قَالَ ابْن نمير: كَانَ لَا يحفظ الْأَسَانِيد. وأجمل عبد الْحق فِي أَحْكَامه القَوْل فِي ضعف هَذَا الطَّرِيق فَقَالَ: رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ من غير طَرِيق إِسْمَاعِيل وَلَا يَصح أَيْضا. ثمَّ قَالَ: وَأحسن مَا فِيهِ حَدِيث سُلَيْمَان بن مُوسَى الْآتِي.
قلت: ذَاك فِي مس الْمُصحف لَا فِي قِرَاءَة الْجنب، كَمَا ذكره هُوَ بعد، وَقد أسلفناه فِي الْبَاب قبله فِي أثْنَاء الحَدِيث الثَّالِث بعد الْعشْرين.
وَقَالَ ابْن أبي حَاتِم: سَمِعت أبي وَذكر حَدِيث إِسْمَاعِيل بن عَيَّاش... فَذكره من طَرِيق التِّرْمِذِيّ وَمن تَابعه، فَقَالَ أبي: هَذَا خطأ؛ إِنَّمَا هُوَ عَن ابْن عمر قَوْله. وَفِي كتاب الْخلال وضعفاء الْعقيلِيّ عَن عبد الله- يَعْنِي: ابْن أَحْمد بن حَنْبَل- وَذكر هَذَا الحَدِيث؛ قَالَ أبي: هَذَا بَاطِل أنكر عَلَى إِسْمَاعِيل. يَعْنِي: أَنه وهم مِنْهُ.
وَقَالَ الْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه أَن فِيهِ نظرا وَرَوَى عَن البُخَارِيّ نَحوا مِمَّا سلف. وَقَالَ الضياء الْمَقْدِسِي فِي أَحْكَامه: إِسْمَاعِيل بن عَيَّاش تكلم فِيهِ غير وَاحِد من أهل الْعلم، غير أَن بعض الْحفاظ قَالَ: قد رُوِيَ من غير طَرِيقه بِإِسْنَاد لَا بَأْس بِهِ وَلَعَلَّه أَشَارَ إِلَى الطَّرِيقَة الَّتِي صححت وَبينا وهنها وأَشَارَ إِلَى قَول ابْن عَسَاكِر فِي أَطْرَافه: قد رَوَاهُ عبد الله بن حَمَّاد الآملي، عَن القعْنبِي، عَن الْمُغيرَة، عَن مُوسَى بن عقبَة. لَكِن قَوْله عَن القعْنبِي الظَّاهِر وهمه فِيهِ؛ فَإِن عبد الله بن حَمَّاد إِنَّمَا رَوَاهُ عَن عبد الْملك بن مسلمة عَن الْمُغيرَة كَمَا تقدم، وَهُوَ ضَعِيف كَمَا سلف أَيْضا.
قَالَ الْبَيْهَقِيّ فِي خلافياته بعد ذكر رِوَايَة إِسْمَاعِيل بن عَيَّاش: وَرُوِيَ أَيْضا عَن غَيره، عَن مُوسَى بن عقبَة- وَهُوَ ضَعِيف- ثمَّ سَاق مُتَابعَة الْمُغيرَة وَأبي معشر السالفتين.
وَأما الْمُنْذِرِيّ؛ فَإِنَّهُ حسن الحَدِيث، فَقَالَ فِي الْقطعَة الَّتِي خرجها من أَحَادِيث الْمُهَذّب بِالْإِسْنَادِ: هَذَا حَدِيث حسن، وَإِسْمَاعِيل تكلم فِيهِ وَأَثْنَى عَلَيْهِ جمَاعَة من الْأَئِمَّة.
قلت: وَحَاصِل مقالات الْحفاظ فِي إِسْمَاعِيل ثَلَاث:
أَحدهَا: ضعفه مُطلقًا. ثَانِيهَا: ثقته مُطلقًا. ثَالِثهَا: أَنه ضَعِيف فِي غير الشاميين، وعَلَيْهِ الْأَكْثَرُونَ.
قَالَ الْفَسَوِي: تكلم قوم فِيهِ، وَهُوَ ثِقَة عدل أعلم النَّاس بِحَدِيث الشَّام، أَكثر مَا تكلمُوا فِيهِ قَالُوا: يغرب عَن ثِقَات الْحجاز. وَقَالَ عَبَّاس عَن يَحْيَى: هُوَ ثِقَة. وَقَالَ ابْن أبي خَيْثَمَة عَنهُ: لَيْسَ بِهِ بَأْس فِي أهل الشَّام. وَقَالَ دُحَيْم: هُوَ فِي الشاميين غَايَة وخلط عَن الْمَدَنِيين. وَقد أسلفنا قَول البُخَارِيّ فِيهِ. وَقَالَ أَبُو حَاتِم: لين، مَا أعلم أحدا كف عَنهُ إِلَّا أَبُو إِسْحَاق الْفَزارِيّ. أَي: فَإِنَّهُ قَالَ: ذَا رجل لَا يدْرِي مَا يخرج من رَأسه! وَقَالَ النَّسَائِيّ: ضَعِيف. وَقَالَ ابْن حبَان: كثير الْخَطَأ فِي حَدِيثه؛ فَخرج عَن حد الِاحْتِجَاج بِهِ. وَقَالَ عَلّي بن الْمَدِينِيّ: مَا كَانَ أحد أعلم بِحَدِيث أهل الشَّام مِنْهُ لَو ثَبت عَلَى حَدِيث أهل الشَّام، وَلكنه خلط فِي حَدِيثه عَن أهل الْعرَاق. وَقَالَ ابْن حزم فِي محلاه فِي حَدِيث «إِذا قاء أحدكُم»: هُوَ سَاقِط؛ لاسيما عَن الْحِجَازِيِّينَ. وَقَالَ ابْن خُزَيْمَة: لَا يحْتَج بِهِ. وَعبارَة الشَّيْخ تَقِيّ الدَّين الْقشيرِي فِيهِ: وَثَّقَهُ أَحْمد وَيَحْيَى بن معِين مُطلقًا. وَأَثْنَى يزِيد بن هَارُون عَلَى حفظه ثَنَاء بليغًا أَي فَقَالَ: مَا رَأَيْت أحفظ مِنْهُ، مَا أَدْرِي مَا الثَّوْريّ؟!
قلت: وَصحح لَهُ التِّرْمِذِيّ غير مَا حَدِيث من رِوَايَته عَن أهل بَلَده خَاصَّة، مِنْهَا حَدِيث: «لَا وَصِيَّة لوَارث» وَحَدِيث «بِحَسب ابْن آدم أكلات يقمن صلبه» وَحَدِيثه هَذَا- أَعنِي: الَّذِي ذكره الرَّافِعِيّ- قد علمت أَنه لم ينْفَرد بِهِ، وتوبع عَلَيْهِ، وَله شَاهد أَيْضا من حَدِيث جَابر مَرْفُوعا: «لَا تقْرَأ الْحَائِض وَلَا النُّفَسَاء شَيْئا من الْقُرْآن» رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ قبل الزَّكَاة فِي سنَنه من حَدِيث مُحَمَّد بن الْفضل، عَن أَبِيه، عَن طَاوس، عَن جَابر بِهِ، وَمُحَمّد هَذَا مَتْرُوك وَنسب إِلَى الْوَضع، ووالده ثِقَة.
وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ مَوْقُوفا عَلَيْهِ من حَدِيث يَحْيَى بن أبي أنيسَة، عَن أبي الزبير، عَن جَابر، وَقَالَ: «لَا يقْرَأ الْجنب وَلَا الْحَائِض وَلَا النُّفَسَاء شَيْئا من الْقُرْآن» وَيَحْيَى هَذَا مَتْرُوك؛ كَمَا قَالَه أَحْمد وَغَيره، وَأَبُو الزبير يحْتَاج إِلَى دعامة، وَقَالَ الْبَيْهَقِيّ: هَذَا الْأَثر لَيْسَ بِالْقَوِيّ.
وَصَحَّ عَن عمر رَضي اللهُ عَنهُ «أَنه كَانَ يكره أَن يقْرَأ الْقُرْآن وَهُوَ جنب» قَالَ الْبَيْهَقِيّ فِي خلافياته بعد أَن سَاقه بِإِسْنَادِهِ: هَذَا إِسْنَاد صَحِيح.
فَائِدَة: يجوز لَك فِي قِرَاءَة قَوْله عَلَيْهِ السَّلَام لَا «يقْرَأ» كسر الْهمزَة عَلَى النَّهْي، وَضمّهَا عَلَى الْخَبَر الَّذِي يُرَاد بِهِ النَّهْي، وهما صَحِيحَانِ.

.الحديث الثَّامِن:

عَن عَلّي بن أبي طَالب رَضي اللهُ عَنهُ أَنه قَالَ: «لم يكن يحجب النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن الْقُرْآن شَيْء سُوَى الْجَنَابَة» وَرُوِيَ «يحجزه».
هَذَا الحَدِيث جيد رَوَاهُ أَحْمد وَالْبَزَّار فِي مسنديهما، وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ وَابْن مَاجَه فِي سُنَنهمْ وابْن الْجَارُود فِي المُنْتَقَى وَابْن خُزَيْمَة وَابْن حبَان فِي صَحِيحَيْهِمَا، وَالْحَاكِم فِي مُسْتَدْركه وَالدَّارَقُطْنِيّ وَالْبَيْهَقِيّ فِي سُنَنهمَا من رِوَايَة شُعْبَة عَن عَمْرو بن مرّة، عَن عبد الله بن سَلمَة- بِكَسْر اللَّام- قَالَ: «دَخَلنَا عَلَى عَلّي أَنا ورجلان: رجل منا، وَرجل من بني أَسد، أَحسب قَالَ: فبعثهما لِحَاجَتِهِ، وَقَالَ: إنَّكُمَا عِلْجَانِ، فعالجا عَن دينكما. ثمَّ دخل الْمخْرج، ثمَّ خرج فَدَعَا بِمَاء فَأخذ مِنْهُ حفْنَة فتمسح بهَا، ثمَّ جعل يقْرَأ الْقُرْآن فأنكروا ذَلِك، فَقَالَ: إِن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يخرج من الْخَلَاء فيقرئنا الْقُرْآن وَيَأْكُل مَعنا اللَّحْم وَلم يكن يَحْجُبهُ- أَو قَالَ: يحجزه- عَن الْقُرْآن شَيْء لَيْسَ الْجَنَابَة» هَذَا لفظ أبي دَاوُد، وَلَفظ ابْن مَاجَه: «كَانَ يَأْتِي الْخَلَاء فَيَقْضِي الْحَاجة ثمَّ يخرج فيأكل مَعنا الْخبز وَاللَّحم، وَيقْرَأ الْقُرْآن لَا يَحْجُبهُ- وَرُبمَا قَالَ: لَا يحجزه- عَن الْقُرْآن شَيْء إِلَّا الْجَنَابَة» وَلَفظ النَّسَائِيّ: «كَانَ يخرج من الْخَلَاء فَيقْرَأ الْقُرْآن وَيَأْكُل مَعنا اللَّحْم، وَلم يكن يَحْجُبهُ من الْقُرْآن شَيْء لَيْسَ الْجَنَابَة». وَفِي رِوَايَة لَهُ من حَدِيث الْأَعْمَش، عَن عَمْرو بن مرّة، عَن عبد الله بن سَلمَة، عَن عَلّي: «كَانَ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم يقْرَأ الْقُرْآن عَلَى كل حَال، إِلَّا الْجَنَابَة» وَلَفظ الْبَزَّار كهذين اللَّفْظَيْنِ، وَلَفظ التِّرْمِذِيّ: «كَانَ يقرئنا الْقُرْآن عَلَى كل حَال مَا لم يكن جنبا» وَلَفظ أَحْمد: «أتيت عَلَى عَلّي أَنا ورجلان، فَقَالَ: كَانَ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم يقْضِي حَاجته ثمَّ يخرج فَيقْرَأ الْقُرْآن وَيَأْكُل مَعنا اللَّحْم وَلَا يحجزه- وَرُبمَا قَالَ: يَحْجُبهُ- من الْقُرْآن شَيْء، لَيْسَ الْجَنَابَة» وَلَفظ ابْن حبَان: «كَانَ لَا يَحْجُبهُ عَن قِرَاءَة الْقُرْآن شَيْء مَا خلا الْجَنَابَة» وَفِي رِوَايَة لَهُ «لم يكن يَحْجُبهُ من قِرَاءَة الْقُرْآن شَيْء إِلَّا أَن يكون جنبا» وَلَفظ الْحَاكِم: «سُوَى الْجَنَابَة- أَو إِلَّا الْجَنَابَة» وَلَفظ الدَّارَقُطْنِيّ: «كَانَ لَا يَحْجُبهُ عَن قِرَاءَة الْقُرْآن شَيْء إِلَّا أَن يكون جنبا» وَلَفظ الْبَيْهَقِيّ بِنَحْوِهِ، وَذكره فِي خلافياته من طَرِيق أبي دَاوُد وَالْحَاكِم. قَالَ التِّرْمِذِيّ: هَذَا حَدِيث حسن صَحِيح، وَبِه قَالَ غير وَاحِد من الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ، قَالُوا: يقْرَأ الرجل الْقُرْآن عَلَى غير وضوء، وَلَا يقْرَأ فِي الْمُصحف إِلَّا وَهُوَ طَاهِر. وَبِه يَقُول سُفْيَان الثَّوْريّ وَالشَّافِعِيّ وَأحمد وَإِسْحَاق.
قلت: وَصَححهُ أَيْضا أَبُو حَاتِم بن حبَان، فَإِنَّهُ أخرجه فِي صَحِيحه كَمَا أسلفناه، وَقَالَ الْحَاكِم فِي مُسْتَدْركه: هَذَا حَدِيث صَحِيح الْإِسْنَاد. قَالَ: والشيخان لم يحْتَجَّا بِعَبْد الله بن سَلمَة، ومدار الحَدِيث عَلَيْهِ. قَالَ: وَعبد الله بن سَلمَة غير مطعون فِيهِ. وأقره الْبَيْهَقِيّ عَلَى ذَلِك فِي خلافياته وَذكره ابْن السكن أَيْضا فِي سنَنه الصِّحَاح المأثورة، وَقَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدَّين فِي الإِمام: وَأخرجه الْحَافِظ أَبُو بكر بن خُزَيْمَة فِي صَحِيحه وَقَالَ: سَمِعت أَحْمد بن الْمِقْدَام الْعجلِيّ يَقُول: ثَنَا سعيد بن الرّبيع، عَن شُعْبَة بِهَذَا الحَدِيث قَالَ شُعْبَة: هَذَا ثلث رَأس مَالِي. وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: قَالَ سُفْيَان: مَا أحدث بِحَدِيث أحسن مِنْهُ. وَقَالَ عبد الْحق فِي أَحْكَامه: إِنَّه حَدِيث صَحِيح. ثمَّ نقل عَن ابْن صَخْر أَنه قَالَ فِي «فَوَائده»: إِنَّه حَدِيث مَشْهُور. وَقَالَ الْبَزَّار: إِنَّه لَا يرْوَى عَن عَلّي إِلَّا من حَدِيث عَمْرو بن مرّة، عَن عبد الله بن سَلمَة.
قلت: قد رَوَاهُ الْأَعْمَش عَن عَمْرو بن مرّة، عَن أبي البخْترِي، عَن عَلّي، وَقيل: عَن عَمْرو بن مرّة عَن عَلّي مَوْقُوفا مُرْسلا، ذكر ذَلِك الدَّارَقُطْنِيّ فِي علله ثمَّ قَالَ: القَوْل قَول من قَالَ: عَن عَمْرو بن مرّة عَن عبد الله بن سَلمَة، عَن عَلّي. وَحَكَى البُخَارِيّ عَن عَمْرو بن مرّة قَالَ: كَانَ عبد الله بن سَلمَة يحدثنا فنعرف وننكر، وَكَانَ قد كبر لَا يُتَابع فِي حَدِيثه. وَقَالَ ابْن الْجَارُود- بَعْدَمَا أخرجه-: قَالَ يَحْيَى بن سعيد: وَكَانَ شُعْبَة يَقُول فِي هَذَا الحَدِيث: نَعْرِف وننكر- يَعْنِي: عبد الله بن سَلمَة- كَانَ كبر حَيْثُ أدْركهُ عَمْرو. وَرَوَى هَذَا الحَدِيث الإِمَام الشَّافِعِي فِي سنَن حَرْمَلَة، ثمَّ قَالَ: إِن كَانَ ثَابتا فَفِيهِ دلَالَة عَلَى تَحْرِيم الْقُرْآن عَلَى الْجنب. قَالَ الْبَيْهَقِيّ: وَرَوَاهُ الشَّافِعِي فِي جماع كتاب الطّهُور وَقَالَ: وَإِن لم يكن أهل الحَدِيث يثبتونه. قَالَ الْبَيْهَقِيّ فِي الْمعرفَة: إِنَّمَا توقف الشَّافِعِي فِي ثُبُوته؛ لِأَن مَدَاره عَلَى عبد الله بن سَلمَة، وَكَانَ قد كبر وَأنكر من عقله وَفِي حَدِيثه بعض النكرَة وَإِنَّمَا رَوَى هَذَا الحَدِيث بَعْدَمَا كبر، قَالَه شُعْبَة. ثمَّ قَالَ الْبَيْهَقِيّ: وَصَحَّ عَن عمر أَنه كره الْقُرْآن للْجنب. ثمَّ سَاقه كَمَا أسلفناه، وَذكر الْخطابِيّ أَن أَحْمد بن حَنْبَل كَانَ يوهن حَدِيث عَلّي هَذَا، ويضعف أَمر عبد الله بن سَلمَة. وَذكر شَيخنَا فتح الدَّين الْيَعْمرِي فِي شَرحه لِلتِّرْمِذِي عَن الإِمَام أَحْمد أَنه قَالَ: لم يرو هَذَا الحَدِيث أحد عَن عَمْرو غير شُعْبَة. ثمَّ ناقشه فِي ذَلِك فَقَالَ: ذكر ابْن عدي أَنه رَوَاهُ عَن عَمْرو: الْأَعْمَش، وَشعْبَة، ومسعر، وَابْن أبي لَيْلَى، وَيَحْيَى بن سعيد، ورقبة أَو بَقِيَّة؛ لست أَدْرِي أَيهمَا هُوَ.
قلت: وَأَبَان بن تغلب أَيْضا فِيمَا ذكره الْخَطِيب فِي كِتَابه موضح أَوْهَام الْجمع والتفريق وَمن خطه نقلت، ثمَّ قَالَ: قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: هَذَا حَدِيث غَرِيب من حَدِيث أبان بن تغلب، عَن عَمْرو بن مرّة، عَن عبد الله بن سَلمَة، عَن عَلّي، تفرد بِهِ أَبُو عبد الله الْجعْفِيّ وَهُوَ مُعلى بن هِلَال عَنهُ.
قلت: وَأَبَان صَدُوق وشيعي غال، وَمعلى وَضاع هَالك. وَاعْترض من الْمُتَأَخِّرين: النَّوَوِيّ فِي شرح الْمُهَذّب عَلَى التِّرْمِذِيّ؛ فَقَالَ: إِن غَيره من الْحفاظ الْمُحَقِّقين قَالُوا: إِنَّه حَدِيث ضَعِيف. وَقَالَ فِي خلاصته: خَالف التِّرْمِذِيّ الْأَكْثَرُونَ فضعفوه.
قلت: لَا قدح فِي إِسْنَاده إِلَّا من جِهَة عبد الله بن سَلمَة فَإِن مَا عداهُ من رجال إِسْنَاده مُتَّفق عَلَى الِاحْتِجَاج بِهِ وَقد أسلفنا مَا حَكَاهُ البُخَارِيّ فِيهِ، وَقَالَ النَّسَائِيّ أَيْضا: يُعرف ويُنكر. وَلَكِن قدمنَا عَن الْحَاكِم أَنه قَالَ فِيهِ إِنَّه غير مطعون فِيهِ. وَقَالَ الْعجلِيّ: ثِقَة. وَقَالَ ابْن عدي: أَرْجُو أَنه لَا بَأْس بِهِ. وَذكره ابْن حبَان فِي ثقاته وَأخرج لَهُ مُسلم 4 فَهُوَ عَلَى شرطهم، وَقَول من قَالَ فِيهِ: يعرف وينكر، لَيْسَ فِيهِ كَبِير جرح، وَإِن أوردهُ ابْن الْجَوْزِيّ فِي ضُعَفَائِهِ بِسَبَب هَذِه المقولة فِيهِ، وَلم ينْفَرد التِّرْمِذِيّ بِتَصْحِيحِهِ؛ بل تَابعه عَلَيْهِ جماعات كَمَا أسلفناه وَحَدِيث ابْن عمر السالف قبل هَذَا يشْهد لَهُ، وَكَذَا أثر عمر أَيْضا السالف، وَكَذَا أثر عَلّي «اقْرَءُوا الْقُرْآن مالم يصب أحدكُم جَنَابَة، فَإِن أَصَابَته فَلَا وَلَا حرفا وَاحِدًا» رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ وَقَالَ: صَحِيح عَنهُ. وَرَوَاهُ عبد الْحق فِي أَحْكَامه من حَدِيث أبي إِسْحَاق عَنهُ مَرْفُوعا: «لَا يقْرَأ الْجنب من الْقُرْآن وَلَا حرفا» ثمَّ قَالَ: أَبُو إِسْحَاق رَأَى عليًّا. وَلم يزدْ عَلَى ذَلِك، وَكَذَا قصَّة عبد الله بن رَوَاحَة فِي الدَّارَقُطْنِيّ وَغَيره من حَدِيث زَمعَة عَن سَلمَة بن وهرام، عَن عِكْرِمَة، عَن ابْن عَبَّاس، قَالَ الْبَيْهَقِيّ فِي خلافياته: وَوَصله لَيْسَ بِالْقَوِيّ.

.الحديث التَّاسِع:

رُوِيَ أَنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ قَالَ: «لَا أحل الْمَسْجِد لحائض وَلَا جنب».
هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ أَبُو دَاوُد من حَدِيث عبد الْوَاحِد بن زِيَاد، نَا أفلت بن خَليفَة قَالَ: حَدَّثتنِي جسرة بنت دجَاجَة قَالَت: سَمِعت عَائِشَة تَقول: «جَاءَ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم ووجوه بيُوت أَصْحَابه شارعة فِي الْمَسْجِد فَقَالَ: وجهوا هَذِه الْبيُوت عَن الْمَسْجِد، ثمَّ دخل النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم وَلم يصنع الْقَوْم شَيْئا رَجَاء أَن ينزل فيهم رخصَة، فَخرج إِلَيْهِم بعد فَقَالَ: وجهوا هَذِه الْبيُوت عَن الْمَسْجِد فَإِنِّي لَا أحل الْمَسْجِد لحائض وَلَا جنب» قَالَ أَبُو دَاوُد: هُوَ فليت العامري.
وَرَوَاهُ ابْن مَاجَه من حَدِيث ابْن أبي غنية، عَن أبي الْخطاب الهجري، عَن محدوج الذهلي، عَن جسرة قَالَت: أَخْبَرتنِي أم سَلمَة، قَالَت: «دخل النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ صرحة هَذَا الْمَسْجِد فَنَادَى بِأَعْلَى صَوته: إِن الْمَسْجِد لَا يحل لجنب وَلَا لحائض».
وَرَوَاهُ البُخَارِيّ فِي تَارِيخه الْكَبِير وَفِيه زِيَادَة، وَذكر بعده حَدِيث عَائِشَة رَضي اللهُ عَنها: «سدوا هَذِه الْأَبْوَاب إِلَّا بَاب أبي بكر» ثمَّ قَالَ: وَهَذَا أصح.
وَقَالَ ابْن أبي حَاتِم فِي علله: قَالَ أَبُو زرْعَة: الصَّحِيح حَدِيث جسرة عَن عَائِشَة.
وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي أكبر معاجمه بِزِيَادَة فِيهِ، وَهَذَا لَفظه عَن جسرة، عَن أم سَلمَة قَالَت: «خرج النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ إِلَى الْمَسْجِد فَنَادَى بِأَعْلَى صَوته: أَلا إِن هَذَا الْمَسْجِد لَا يحل لجنب وَلَا لحائض، إِلَّا للنَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ وأزواجه وَفَاطِمَة بنت مُحَمَّد وَعلي، أَلا بيّنت لكم أَن تضلوا».
وأعلت الطَّرِيقَة الأولَى بأفلت وَنسب إِلَى الْجَهَالَة، قَالَ الْخطابِيّ: ضعف جمَاعَة هَذَا الحَدِيث وَقَالُوا: إِن أفلت مَجْهُول لَا يصلح الِاحْتِجَاج بِهِ. وَقَالَ ابْن حزم فِي محلاه: هَذَا حَدِيث بَاطِل، وأفلت غير مَشْهُور وَلَا مَعْرُوف بالثقة.
قلت: هَذَا عَجِيب مِنْهُ فَهُوَ مَشْهُور ثِقَة؛ فَإِنَّهُ أفلت- بِالْفَاءِ، وَيُقَال: فليت. كَمَا قدمْنَاهُ، وَوهم من قَالَ: هما اثْنَان كَمَا نبه عَلَيْهِ ابْن خلفون- ابْن خَليفَة عامري كُوفِي كنيته أَبُو حسان، رَوَى عَن: جسرة بنت دجَاجَة ودهيمة، وَعنهُ: سُفْيَان الثَّوْريّ، وَعبد الْوَاحِد بن زِيَاد، وَأَبُو بكر بن عَيَّاش. كَمَا أَفَادَ ذَلِك الْمزي فِي تهذيبه.
وَأخرج لَهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ، وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيّ فِيهِ: صَالح. وَسُئِلَ عَنهُ أَبُو حَاتِم الرَّازِيّ فَقَالَ: شيخ. وَقَالَ الإِمَام أَحْمد: مَا أرَى بِهِ بَأْسا. وَذكره ابْن حبَان فِي ثقاته وتعجبت من قَول الْفَقِيه نجم الدَّين بن الرّفْعَة فِي آخر شُرُوط الصَّلَاة من مطلبه: أفلت- كَمَا قَالَه الْمَاوَرْدِيّ وَغَيره- ضَعِيف مَتْرُوك. فَإِنِّي لم أر هَذِه الْعبارَة فِيهِ لأحد من أهل هَذَا الشَّأْن وَعبارَة الْبَيْهَقِيّ فِي هَذَا الحَدِيث: إِنَّه لَيْسَ بِالْقَوِيّ.
وأعلت هَذِه الطَّرِيقَة أَيْضا بجسرة- بِفَتْح الْجِيم وَإِسْكَان السِّين الْمُهْملَة- بنت دجَاجَة- بِكَسْر الدَّال- لَا كواحدة الدَّجَاج، كَمَا أَفَادَهُ ابْن الْقطَّان فِي حَاشِيَة كِتَابه الْوَهم والإِيهام، وَفِي «المؤتلف والمختلف» للدارقطني عَن ابْن حبيب أَنه قَالَ: كل اسْم فِي الْعَرَب دجَاجَة مكسور الدَّال.
قلت: لَكِن فِي «الْعباب» للصغاني وَمن خطه نقلت: وقد سموا دَجاجة. كَذَا هُوَ بِخَطِّهِ بِفَتْح الدَّال، وَكَذَا قَالَ الْأَزْهَرِي وَصَاحب الْمُحكم: دَجاجة- يَعْنِي بِالْفَتْح- اسْم امْرَأَة فاستفده.
قَالَ البُخَارِيّ فِي تَارِيخه: عِنْدهَا عجائب. وَقد خالفها غَيرهَا فِي سد الْأَبْوَاب، وَقَالَ الْعجلِيّ: هِيَ تابعية ثِقَة. قلت: وَفِي معرفَة الصَّحَابَة لأبي نعيم نقلا عَن ابْن مَنْدَه أَن جسرة بنت دجَاجَة أدْركْت وَفَاة رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَا ذَلِك بعد أَن ذكرهَا فِي الصَّحَابَة. وَفِي النَّسَائِيّ عَنْهَا حَدِيث ترديد النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ {إِن تُعَذبهُمْ فَإِنَّهُم عِبَادك} من رِوَايَة قدامَة بن عبد الله بن عَبدة، كَذَا رَأَيْته مضبوطًا بِخَط الشَّيْخ تَقِيّ الدَّين الْقشيرِي: العامري الْهُذلِيّ الْكُوفِي. وَقَالَ الْبَزَّار: لَا نعلم حدث عَن جسرة غير قدامَة.
قلت: قد حدث عَنْهَا أفلت ومحدوج الذهلي كَمَا ستعلمه وعَمْرو بن عُمَيْر بن محدوج.
وَذكرهَا ابْن حبَان فِي ثقاته فِي التَّابِعين وَقَالَ: تروي عَن عَائِشَة، وعنها أفلت بن خَليفَة وَقُدَامَة العامري، وَنقل أَبُو الْعَبَّاس الْبنانِيّ، عَن ابْن حبَان أَنه قَالَ فِي حَقّهَا: عِنْدهَا عجائب. وَلم أره فِي ثقاته نعم هُوَ قَول البُخَارِيّ- كَمَا سلف- وأجمل عبد الْحق فِي أَحْكَامه القَوْل فِي هَذَا الحَدِيث، فَقَالَ بعد أَن عزاهُ إِلَى أبي دَاوُد وأبرز إِسْنَاده: لَا يثبت من قبل إِسْنَاده. وَضَعفه من الْمُتَأَخِّرين النَّوَوِيّ فِي خلاصته وَكَأَنَّهُ تبعه، وَأما ابْن الْقطَّان فَإِنَّهُ حسنه، وَقَالَ: قَول البُخَارِيّ فِي جسرة «أَن عِنْدهَا عجائب» لَا يَكْفِي فِي رد أَخْبَارهَا.
قلت: وَهَذَا القَوْل هُوَ الصَّوَاب فَالْحَدِيث من هَذَا الْوَجْه حسن لثقة رُوَاته، وَحَدِيث أم سَلمَة شَاهد لَهُ، وَقَول ابْن حزم فِيهِ «أَنه بَاطِل» جسارة مِنْهُ، وَهُوَ أعل حَدِيث أم سَلمَة بِأَمْر لَا ننازعه فِيهِ، فَإِنَّهُ قَالَ: فِيهِ محدوج الذهلي وَهُوَ سَاقِط يروي المعضلات عَن جسرة، وَأَبُو الْخطاب الهجري مَجْهُول. وَهُوَ كَمَا قَالَ، وَإِن رَوَى عَن أبي الْخطاب جمَاعَة، وَفِي الْمُغنِي للذهبي: محدوج الذهلي عَن جسرة قَالَ البُخَارِيّ: فِيهِ نظر. وأعل ابْن حزم رِوَايَة الطَّبَرَانِيّ السالفة الَّتِي فِيهَا تِلْكَ الزِّيَادَة الغريبة، فَقَالَ بعد أَن رَوَاهَا من حَدِيث عبد الْوَهَّاب بن عَطاء الْخفاف، عَن ابْن أبي غنية، عَن إِسْمَاعِيل، عَن جسرة، عَن أم سَلمَة قَالَت: قَالَ رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ: «هَذَا الْمَسْجِد حرَام عَلَى كل جنب من الرِّجَال وَالنِّسَاء إِلَّا مُحَمَّد وأزواجه وعَلّي وَفَاطِمَة».
أما عبد الْوَهَّاب فَهُوَ ابْن عَطاء بن مُسلم مُنكر الحَدِيث، وَأما إِسْمَاعِيل فمجهول. هَذَا كَلَامه، فَأَما عبد الْوَهَّاب فوثقه ابْن معِين من طرق عَنهُ، وَقَالَ أَحْمد: كَانَ يَحْيَى بن سعيد حسن الرَّأْي فِيهِ، وَكَانَ يعرفهُ معرفَة قديمَة. نعم أَنْكَرُوا عَلَيْهِ حَدِيثا فِي فضل الْعَبَّاس فَكَانَ يَحْيَى يَقُول: هُوَ مَوْضُوع وَلَعَلَّه دلّس، وَكَانَ ثِقَة، وَوَثَّقَهُ أَيْضا ابْن حبَان وَالْعجلِي والذهلي، وَاحْتج بِهِ مُسلم، وَأخرج لَهُ الْأَرْبَعَة أَيْضا- أَعنِي أَصْحَاب السّنَن- نعم قَالَ أَحْمد: ضَعِيف الحَدِيث مُضْطَرب. وَقَالَ الرَّازِيّ: لَيْسَ بِقَوي الحَدِيث. وَقَالَ النَّسَائِيّ: لَيْسَ بِقَوي.
وَأما إِسْمَاعِيل فَذكر فِي تَرْجَمَة عبد الْملك بن أبي غنية أَنه رَوَى عَن إِسْمَاعِيل بن رَجَاء بن سعد الْكُوفِي وَلم يذكر غَيره مِمَّن اسْمه إِسْمَاعِيل. وَإِسْمَاعِيل هَذَا وَثَّقَهُ يَحْيَى وَأَبُو حَاتِم وَالنَّسَائِيّ، وَأخرج لَهُ مُسلم وَالْأَرْبَعَة، قَالَ الذَّهَبِيّ فِي مِيزَانه: وَقَالَ الْأَزْدِيّ وَحده: مُنكر الحَدِيث.
قلت: قد قَالَ ابْن حبَان أَيْضا: مُنكر الحَدِيث، يَأْتِي عَن الثِّقَات بِمَا لَا يشبه حَدِيث الْأَثْبَات. وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: ضَعِيف. وَقَالَ ابْن الْجَوْزِيّ فِي ضُعَفَائِهِ: وَجُمْلَة من يَأْتِي فِي الحَدِيث إِسْمَاعِيل بن رَجَاء ثَلَاثَة لم يطعن إِلَّا فِي هَذَا.
قلت: قد طعن فِي إِسْمَاعِيل بن رَجَاء الْجَزرِي الرَّاوِي عَن مُوسَى بن أعين الدَّارَقُطْنِيّ وَضَعفه، والغريب أَن الذَّهَبِيّ لم يذكر فِي كِتَابه الْمُغنِي فِي الضُّعَفَاء سواهُ، وَحذف الأول، عَلَى أَنِّي لَا أحسن هَذِه الزِّيَادَة بِمَا ذكرت وَإِنَّمَا ذكرت ذَلِك عَلَى سَبِيل الْبَحْث مَعَه.
فَائِدَة: قَالَ الْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه: إِن صَحَّ هَذَا الحَدِيث- يَعْنِي حَدِيث جسرة- فَهُوَ مَحْمُول فِي الْجنب عَلَى الْمكْث فِيهِ دون العبور.
قلت: وَكَذَا فِي الْحَائِض إِلَّا أَن العبور إِنَّمَا يحرم عَلَيْهَا إِذا خَافت التلويث.
ووجوه الْبيُوت الْمَذْكُورَة فِي الحَدِيث المُرَاد بِهِ أَبْوَابهَا قَالَه الْخطابِيّ قَالَ: وَمَعْنى وجهوها عَن الْمَسْجِد: اصرفوا وجوهها عَنهُ.

.الحديث العَاشِر:

عَن عَائِشَة رَضي اللهُ عَنها قَالَت: «كنت أَغْتَسِل أَنا وَالنَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ من إِنَاء وَاحِد، تخْتَلف أَيْدِينَا فِيهِ من الْجَنَابَة».
هَذَا الحَدِيث صَحِيح اتّفق الشَّيْخَانِ عَلَى إِخْرَاجه من هَذَا الْوَجْه بِاللَّفْظِ الْمَذْكُور، واتفقا عَلَى مثله أَيْضا من حَدِيث أم سَلمَة ومَيْمُونَة «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام كَانَ يغْتَسل مَعَ كل مِنْهُمَا من إِنَاء وَاحِد».
وَأما حَدِيث النَّهْي عَن غسل الرجل بِفضل الْمَرْأَة وَعَكسه فَعَنْهُ أجوبة ذكرتها فِي شرح الْعُمْدَة فَليُرَاجع مِنْهُ.
تَنْبِيه:
نقل الرَّافِعِيّ عقب إِيرَاده هَذَا الحَدِيث عَن إِمَام الْحَرَمَيْنِ أَنه قَالَ: لَو فسر فضل مَاء الْجنب وَالْحَائِض بِمَا لم يمساه من المَاء فَلَا يتخيل امْتنَاع اسْتِعْمَاله، وَالَّذِي يتَوَهَّم فِيهِ الْخلاف- أَي بَيْننَا وَبَين الإِمَام أَحْمد- مَا مَسّه بدن الْجنب أَو الْحَائِض عَلَى وَجه لَا يصير المَاء بِهِ مُسْتَعْملا، وَلِهَذَا اسْتدلَّ الشَّافِعِي بأخبار تدل عَلَى طَهَارَة بدنهما. هَذَا آخر كَلَامه، وَهُوَ كَمَا قَالَ.
وَقد ترْجم الْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه عَلَى ذَلِك حَيْثُ قَالَ: بَاب الدَّلِيل عَلَى طَهَارَة عرق الْجنب وَالْحَائِض. ثمَّ سَاق حَدِيث عَائِشَة الثَّابِت فِي الصَّحِيحَيْنِ «كنت أرجله وَأَنا حَائِض». ثمَّ قَالَ: وَاحْتج الشَّافِعِي فِي ذَلِك أَيْضا بِمَا ثَبت من أَمر النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم الْحَائِض أَن تغسل دم الْحيض من ثوبها وَلم يأمرها بِغسْل الثَّوْب كُله، وَلَا شكّ فِي كَثْرَة الْعرق فِيهِ، ثمَّ ذكر حَدِيث عَائِشَة «ناوليني الْخمْرَة. قَالَت: إِنِّي حَائِض. قَالَ: إِن حيضتك لَيست فِي يدك. فناولتها إِيَّاه». وَعَزاهُ إِلَى أبي دَاوُد وَإِن فِي رِوَايَة لمُسلم «ناوليني الْخمْرَة من الْمَسْجِد» ثمَّ ذكر حَدِيث عَائِشَة السالف فِي غسلهَا مَعَه من إِنَاء وَاحِد تخْتَلف أَيْدِيهِمَا فِيهِ من الْجَنَابَة، وَفِي رِوَايَة لِابْنِ وهب «وتلتقي» ثمَّ ذكر حَدِيثهَا أَيْضا «أَنَّهَا سُئِلت عَن رجل يدْخل يَده الْإِنَاء وَهُوَ جنب قبل أَن يغْتَسل، فَقَالَت: إِن المَاء لَا يُنجسهُ شَيْء وَلَكِن ليبدأ فَيغسل يَده، قد كنت أَنا وَرَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ نغتسل من إِنَاء وَاحِد» ثمَّ رَوَى بِسَنَدِهِ إِلَى ابْن عمر «أَنه كَانَ يعرق فِي الثَّوْب وَهُوَ جنب ثمَّ يُصَلِّي فِيهِ». وَإِلَى ابْن عَبَّاس أَنه قَالَ: «لَا بَأْس بعرق الْجنب وَالْحَائِض فِي الثَّوْب». وَإِلَى عَائِشَة «كَانَ عَلَيْهِ السَّلَام يغْتَسل من الْجَنَابَة ثمَّ يأتيني وَأَنا جنب فيستدفئ بِي» ثمَّ قَالَ: تفرد بِهِ حُرَيْث بن أبي مطر وَفِيه نظر.
قلت: هُوَ قَول البُخَارِيّ فِيهِ مرّة، وَقَالَ أُخْرَى: لَيْسَ بِالْقَوِيّ عِنْدهم. وَقَالَ النَّسَائِيّ: مَتْرُوك الحَدِيث. ثمَّ ترْجم الْبَيْهَقِيّ تَرْجَمَة أُخْرَى فَقَالَ: لَيست الْحَيْضَة فِي الْيَد وَلَا الْمُؤمن ينجس. ثمَّ ذكر حَدِيث عَائِشَة السالف وَحَدِيث أبي هُرَيْرَة «سُبْحَانَ الله إِن الْمُؤمن لَا ينجس». وَحَدِيث حُذَيْفَة مثله.